مراحل حياة الإنسان
1_مرحلة: "الجنانة".
2_ مرحلة: "الطفولة والصبا".
3_مرحلة: "الأشد" وهي: مرحلة الشباب.
4_ مرحلة: "الشيخوخة".
_5النهاية: "الموت".
لقد شاء الله تبارك وتعالى أن يجعل في الأرض خليفة، فخلق "آدم" عليه السلام من تراب، ثم خلق منه زوجه " حواء" عليها السلام، ومنهما بدأ التناسل البشري، كما قال عز وجل ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا(
وقد بيّن الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: أنه خلق الإنسان على أطوار ومراحل، متتابعة متلاحقة متكاملة، كما قال عز وجل مخاطبا الكافرين خطاب توبيخ
ما لكم لا ترجون لله وقارا* وقد خلقكم أطوارا( والمراد بالأطوار: مراحل خلق الإنسان في رحم أمه، ومراحل نشأته وحياته، وكذلك مراحل خلق أبي البشرية "آدم" عليه السلام.
فالله عز وجل خلق "آدم": من "تراب"، ثم من "طين"، ثم من "حمإ مسنون" أي: طين لزج متغيّر الرائحة، ثم من طين يابس، هو "الصلصال"، يسمع منه صوت إذا نقر عليه كالفخّار، ثم نفخ فيه الروح، فصار إنسانا حيّا، عاقلان ناطقا، مستوي القامة، جميل الهيئة، كامل الخلقة، ثم علّمه الله تعالى الأسماء كلها. وبعد ذلك خلق تعالى من "آدم" زوجه "حواء"، ليسكن إليها، وليكون منهما تناسل البشرية بطريق الزواج.
فبدأ التناسل البشري، مع أول ولد من أولاد "آدم"، عن طريق الحمل والولادة، في أطوار ومراحل، تدلّ على عظمة الله تعالى، الذي خلق الإنسان وسائر الأكوان، كما قال عز وجل
ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم* الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين* ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين
_1 مرحلة الجنانة:
ذكر الله عز وجل هذه المرحلة بالإجمال والتفصيل، في كتابه العزيز، فقال تعالى:{ هو أعلم بكم إذ أنشاكم من الأرض وإذ أنتم أجنّة في بطون أمهاتكم}، ثم فصّل الله عز وجل مراحل نمو "الجنين" في بطن أمه، مرحلة مرحلة، وطورا طورا، وذلك في عدد كبير من الآيات القرآنية، منها قوله تعالى في سورة "المؤمنون"
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين* ثم جعلناه نطفة في قرار مكين* ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين(
وكذلك السنّة النبوية الشريفة، فقد جاء فيها، عن رسولنا الأمين محمد صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، في أطوار نمو الجنين البشري، ومتى ينفخ فيه الروح، ومن أجمعها: ما رواه الشيخان، عن عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه قال: حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق:" إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقيّ أو سعيد.." الحديث.
_2 مرحلة "الطفولة والصبا"
مرحلة " الصبا" هي فترة "الطفولة"، فالمولود يسمى "طفلا"، و"صبيا" أو "صبية"، منذ الولادة حتى البلوغ، لقوله تعالى
وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم)
وهذه المرحلة لا تكليف فيها على الإنسان، لما جاء في الحديث الشريف، الذي رواه أحمد وأبو داود وغيرهما من طرق، عن عمر بن الخطاب وعلي ابن أبي طالب وعائشة، رضي الله عنهم، مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم:" رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم"، أي: لا يعاقب الصبي على ارتكابه محرما، ولا تدوّن عليه سيئة، حتى يبلغ فيصير مكلفا.
ولكن: من واجبات الوالدين والمربين، أن يؤدّبوا الصبيّ والصبية، إذا فعلا ما يخالف الشرع وآدابه، ويزجروهما عن فعل القبيح، ويعوّدوهما على الطاعات والواجبات، وترك المنهيات، طبقا لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف، الذي رواه أبو داود والترمذي، ولفظه لأبي داود:" مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع"، والمراد: الضرب باليد ضربا غير مبرّح ولا مؤذ.
ومما لا شك فيه: أن هذه المرحلة هي مرحلة التأسيس، والتأثير والغرس، في شخصية الولد، في جميع المجالات، والإسلام قد أمر أولي الأمر عن الصغار، بإحسان توجيههم وتربيتهم وتعليمهم، فقام المسلمون بالمهمة خير قيام، حتى صار "المسلم" مثلا يحتذى به في الأخلاق والمعاملة، واعتنوا بالعلم وبتلقين الصغار العلوم على أنواعها، في سن مبكّرة، حيث درج الكثيرون على تحفيظ الأولاد القرآن الكريم من سن الخامسة، فلا يصل الولد الى العاشرة من عمره، حتى يكون قد حفظ القرآن عن ظهر قلب، وقد كان هذا سابقا، ولا يزال حتى الآن في بلاد المسلمين، وإن كان على نطاق غير واسع، فنبع في المسلمين جهابذة العلماء، في مختلف الفنون.
***
_3 مرحلة " الأشد"
جاء ذكر هذه المرحلة في مواضع من القرآن العظيم، منها قوله عز وجل في سورة "الأحقاف"، عن الإنسان البارّ بوالديه:{ حتى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنة قال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي من ذريّتي إني تبت إليك وإني من المسلمين}، وقوله تعالى)ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدّه)
و" الأشد" في اللغة: "القوة، ومبلغ الرجل الحنكة والمعرفة"، وقال الأزهري: " الأشد" في كتاب الله على ثلاثة معان يقرب إختلافها:
_1 فأمّا قوله تعالى في قصة "يوسف" عليه السلام:{ ولما بلغ أشدّه آتيناه حكما وعلما}، فمعناه: الإدراك والبلوغ، وحينئذ راودته امرأة العزيز عن نفسه، وكذلك قوله تعالى(ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدّه(
_2 وأما قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام:{ ولما بلغ أشدّه واستوى آتيناه حكما وعلما}، فإنه قرن بلوغ " الأشد" بالإستواء، وهو: أن يجتمع أمره وقوّته، ويكتهل وينتهي شبابه.
_3 وأما قوله تعالى في سورة " الأحقاف":{ حتى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنة}، فهو أقصى نهاية بلوغ الأشد وعند تمامها بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا، وقد اجتمعت حنكته وتمام عقله (انتهى قول الأزهري)
أما مبدأ هذه المرحلة ونهايتها، ففي ذلك أقوال، أهمّها: أن " الأشد" يبدأ ببلوغ الإنسان رشيدا، و"الرشد" هو: أن يبلغ عاقلا مأمونا على نفسه، حسن التصرّف، وحدّد بعضهم سنّ الرشد بثماني عشرة سنة، وبعضهم بسبعة عشر سنة، وقال الجوهري في "الصّحاح": " الأشد" ما بين ثماني عشرة الى ثلاثين سنة.
وخلاصة القول الذي يهمنا هنا: أن مرحلة "الأشد" هي: مرحلة النضج والعقل وحسن التصرّف، وهي "مرحلة الشباب" التي هي موضوع هذا الكتاب.
***
_4مرحلة " الشيخوخة"
"الشيخوخة" هي المرحلة الأخيرة من مراحل حياة الإنسان، وقد إختلف العلماء في تحديد أولها، فاعتبرها بعضهم من سنّ الخمسين، وبعضهم قال غير ذلك، ولكن: لا خلاف على أنها آخر المراحل، وأن أحوال الإنسان فيها متفاوتة، فآخرها عجز، وهرم، وضعف، وخرف، كما وصفها الله عز وجل بقوله
ونقرّ في الأرحام ما نشاء الى أجل مسمّى ثم نخرجكم طفلا، ثم لتبلغوا أشدّكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يردّ الى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا(
***
_5 النهاية: "الموت"
"الموت" هو نهاية كل نفس، كما قال عز وجل، {كل نفس ذائقة الموت}، وقال كعب بن زهير في قصيدته "بانت سعاد":
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على آلة حدباء منقول
ونحن لم نختم مراحل حياة الإنسان بذكر هذه النهاية، إلا لنذكّر أنفسنا والمسلمين جميعا بهذه النهاية، وبوجوب الإستعداد لها، والعمل لما بعدها، فإنّ ما بعدها خطير وخطير، فهناك: إما جنّة أبدا.. وإما نار أبدا.. هناك: لا تزر وازرة وزر أخرى، ولا تحاسب نفس إلا عنها، (ولا يسأل حميم حميما) ( يوم يفرّ المرء من أخيه* وأمه وأبيه* وصاحبته وبنيه* لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه)
__________________